خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 10 جماد الأول 1445هـ ، الموافق 24 نوفمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، للدكتور محروس حفظي :
(1) التدافعُ بينَ الحقِّ والباطلِ سنةٌ ربانيةٌ.
(2) القوةُ والثباتُ في وقتِ المحنِ مِن صفاتِ الأنبياءِ والصالحين.
(3) وسائلُ تحقيقِ الثباتِ والطمأنيةِ وقتَ التحدياتِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م بعنوان : القوة والثبات في مواجهة التحديات ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «القوةُ والثباتُ في مواجهةِ التحدياتِ»
بتاريخ 10 جمادى الأولى 1445 هـ = الموافق 24 نوفمبر 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م :
(1) التدافعُ بينَ الحقِّ والباطلِ سنةٌ ربانيةٌ:
إنَّ الإنسانَ حياتُهُ لا تسيرُ على وتيرةٍ واحدةٍ فهو مُعرضٌ للصحةِ والمرضِ، والفقرِ والغنَى، والقوةِ والضعفِ، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، ومِن سننِ اللهِ الكونيةِ أنْ ينزلَ على البشرِ مِن وقتٍ لآخر بعضَ التحدياتِ والبلايَا كي يختبرَهُم ويمحصَهُم حسبمَا قال: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ﴾، وقالَ أيضًا: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ .
ومِن سننِ اللهِ في خلقِه أنّهُ- سبحانَهُ- جعلَ الحياةَ صراعًا دائمًا بينَ الحقِّ والباطلِ، ونزاعًا موصولًا بينَ الأخيارِ والأشرارِ، ولولَا أنَّ اللهَ- تعالى- يدفعُ بعضَ الناسِ الفاسقين ببعضِ الناسِ الصالحين لفسدتْ الأرضُ؛ لأنَّ الفاسقين لو تُركُوا مِن غيرِ أنْ يُدافعُوا ويُقاومُوا لنشرُوا فسوقَهُم وفجورَهُم وطغيانَهُم في الأرضِ، ولكنَّهُ- سبحانه- أعطَى لعبادِه الصالحينَ مِن القوةِ والثباتِ ما جعلَهُم يقاومونَ الظالمينَ ويعملونَ على نشرِ الخيرِ والصلاحِ بينَ الناسِ، قالَ ربُّنَا: ﴿لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ .
كما أنَّ مِن سننِ اللهِ – عزَّ وجلَّ – التي لا تتبدلُ ولا تتخلفُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ أنَّ النصرَ في النهايةِ للحقِّ لا محالةَ؛ لأنَّهُ- تعالى- هو القويُّ على كلِّ فعلٍ يريدُهُ، العزيزُ الذي لا يغالبهُ مغالبٌ، ولا ينازعهُ منازعٌ، واستمعْ إلى القرآنِ وهو يؤكدُ ذلك بمؤكداتٍ كثيرةٍ فقالَ:﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، وقد أنجزَ- سبحانَهُ- وعدَهُ وسنتَهُ، فسلَّطَ عبادَهُ المؤمنين الأوائلَ فأذلُّوا الشركَ والمشركين وحطّمُوا صخورًا مِن الكبرِ والعنجهيةِ والظلمِ، وأورثَهُم أرضَهُم وديارَهُم، وما زالَ هذا الوعدُ يتجددُ ويتحققُ إلى يومِ القيامةِ شاءَ مَن شاءَ، وأبَى مَن أبَى .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م :
(2) القوةُ والثباتُ في وقتِ المحنِ مِن صفاتِ الأنبياءِ والصالحين:
إنَّ الثباتَ والسكينةَ إذا نزلتْ على القلبِ اطمأنَّ بها، وسكنتْ إليهَا الجوارحُ وخشعتْ، واكتسبَ صاحبُهَا الوقارَ، وأنطقتْ اللسانَ بالخيرِ والصوابِ، وهي حالُ النبيِّ ﷺ يومَ قامَ يصدعُ بالحقِّ في الخلقِ ويبلِّغُ دعوةَ ربِّهِ – عز وجل – فنالَهُ ما نالَهُ مِن الأذَى، كلُّ ذلك وهو صابرٌ محتسبٌ، وكذا حالُهُ في المعاركِ التي خاضَهَا ضدَّ المشركينَ والمتآلبينَ عليهِ، وظهرتْ يومَ الهجرةِ حينمَا قال أبو بكرٍ: “لو نظرَ أحدُهُم تحتَ قدمهِ لرآنَا”، فيُجيبُهُ ﷺ: “ما بالُكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُمَا، لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا”، فأنزلَ اللهُ قولَهُ: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، ونجدُ السكينةَ في حالِ إبراهيمَ –عليهِ السلامُ– وهو يواجِهُ أباهُ وقومَهُ والنمروذَ، وهو يتركُ زوجَهُ هاجرَ وولدَهُ الوحيدَ إسماعيلَ بمكةَ، وهو يهمُّ بعدَ ذلك بذبحِ إسماعيلَ في رباطةِ جأشٍ وطمأنينةِ قلبٍ في حِلِّهِ وترحالِهِ، ونلمحُهَا أيضًا مع موسَى– عليهِ السلامُ– وهو يواجِهُ فرعونَ ويُثبِّتُ قومَهُ قائلًا: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وهو يواجهُ الهلكةَ المحققةَ، فالبحرُ أمامَهُ، وفرعونُ خلفَهُ ووراءَهُ، فيستغيثُ قومُهُ: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ فيجيبُهُم: ﴿كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾، ونستشفُهَا مع يوسفَ عليهِ السلامُ في مواجهتِهِ لمحنٍ تعاقبتْ عليهِ وبعدَ أنْ تولَّى مُلكَ مصرَ، وهو يتوجَّهُ إلى ربِّهِ بالدعاءِ: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، ومع أصحابِ الكهفِ ﴿وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً﴾، ومع أمِّ موسَى ﴿وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
وفي قصةِ غزوةِ بدرٍ الكبرَى قد تجلتْ قدرةُ اللهِ – تعالى– على المسلمين حيثُ ظهرَ أنَّ النصرَ مِن عندِ اللهِ تعالى، وأنَّ للهِ جُنودًا كثيرةً ﴿وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ واللهُ- سبحانه- قد أمرنَا في صريحِ قرآنِهِ بإعدادِ العدةِ، وأخذِ الأهبةِ، وقد بلغَ النبيُّ ﷺ والصحابةُ المدَى في هذا، فلم يدعُوا وسيلةً مِن وسائلِ القوةِ والنصرِ مِمّا يقعُ تحتَ أيديهِم وفي استطاعتِهِم إلّا اتبعوهَا بما يلائمُ عصرَهُم، ومع هذا كانوا على صلةٍ وثيقةٍ باللهِ، وتوكلٍ عليهِ، وهم على صلاحٍ واستقامةٍ، لم يغترُّوا بعددٍ ولا عدةٍ، وإنَّما يستنزلونَ النصرَ مِن عندِ ربِّهِم – عزّ وجلَّ -؛ ولذلك كان النبيُّ ﷺ كثيرًا ما يلجأُ إلى الدعاءِ بل ويبالغُ فيه؛ ليثبتَ في نفوسِهِم هذا المعنى الكريمِ، وإنَّهُ لدرسٌ عظيمٌ يجبُ أنْ يعيَهُ كلُّ عاقلٍ ولبيبٍ أنْ يصلَ حبلَهُ بحبالِ السماءِ، وإلَّا إذا تخلَّى اللهُ عنَّا، ووكلنَا إلى أنفسِنَا واغترارِنَا، عزَّ علينَا استنزالُ التوفيقِ منهُ – سبحانه– قالَ ربُّنَا مخبرًا عن أحداثِ تلك الغزوةِ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، وفي هذا عبرةٌ لكلِّ عاملٍ في هذه الحياةِ ألّا يعتمدَ على الأسبابِ الماديةِ فقط دونَ اللجوءِ إلى المُسببِ وهو اللهُ – سبحانَهُ-، وأنْ يتجنبَ الغرورَ بعدَ نجاحِهِ، وأنْ يعلمَ أنَّ فلاحَهُ إنّمَا هو بتوفيقِ اللهِ لهُ، وأنَّ ما عندَ اللهِ لا يُنالُ إلّا برضاه، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ» (ابن ماجه)، فربُّنَا – عزَّ وجلَّ – يُعطِي لحكمةٍ، ويمنعُ لمنفعةٍ، والكلُّ داخلٌ تحتَ مشيئتِهِ وإرادتِهِ ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾، فهو المتصرفُ الحقيقيُّ في هذا الكونِ، وهو المهيمنُ عليهِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 24 نوفمبر 2023 م :
(٣) وسائلُ تحقيقِ الثباتِ والطمأنيةِ وقتَ التحدياتِ:
المستقرىءُ للنصوصِ القرآنيةِ يجدُ أنَّهَا قد نصتْ على كثيرٍ مِن الوسائلِ التي بها نحققُ الثباتَ والطمأنيةَ في حياتِنَا خاصةً في وقتِ الأزماتِ وتكالبِ الأعداءِ، ومنها:
أولاً: الإيمانُ باللهِ، والرضَا بقضائِهِ، والتمسكُ بمنهجِهِ القويمِ، وحبلِهِ المتينِ: إنَّ الثباتَ والطمأنيةَ نورٌ يقذفُهُ اللهُ – تعالى- في قلبِ العبدِ فيشرقُ بالرضَا والتسليمِ، فيزدادُ إيمانُهُ، قالَ ربُّنَا: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾، وأعظمُ ما يدخلُ السكينةُ على العبدِ، ويقضِي على القلقِ والتوترِ والهلعِ والأمراضِ النفسيةِ عندَهُ قربهُ مِن ربِّهِ – عزَّ وجلَّ – بالطاعاتِ والعباداتِ، قالَ ربُّنَا: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ بل هو مِن أعظمِ وسائلِ الثباتِ والتماسكِ في الأزماتِ والنكباتِ قالَ ربُّنَا:﴿إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾، فذكرُ اللهِ هو الصلةُ التي تربطُ الإنسانَ بخالقِه الذي بيدِه كلِّ شيءٍ، ومتى حسنتْ صلةُ الإنسانِ بخالقِهِ صغرتْ في عينهِ قوةُ أعدائِهِ مهمَا كبرتْ.
إنَّ العبدَ إذا رضيَ بقضاءِ اللهِ أيقنَ أنَّ العاقبةَ لمَن اتقَى وصبرَ، فهذا يوسفُ- عليهِ السلامُ – حسدَهُ أخوتُهُ، وهمُّوا بقتلِهِ ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾، ويرمونَهُ في الجبِّ، وتمضِي الأيامٌ، ويمكِّنُ اللهُ – عزَّ وجلَّ – له في الأرضِ بل ويأتيهِ أخوتُهُ أذلةً طائعينَ ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ .
لقد أرشدَ اللهُ- تعالى- عبادَهُ المؤمنينَ إلى الوسيلةِ التي متَى تمسَّكُوا بها عصمُوا أنفسَهُم مِن مكرِ الأعداءِ “اليهودِ” الذي جاءَ السياقُ يتحدثُ عنهُم في قولِهِ: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ففي الآيةِ إشارةٌ إلى أنَّ التمسكَ بدينِ اللهِ وبكتابِهِ كفيلٌ بأنْ يبعدَ المسلمين الذين لم يشاهدُوا الرسولَ ﷺ عما يبيتُهُ لهُم أعداؤهُم مِن مكرٍ وخداعٍ.
فمَن يلتجئْ إلى اللهِ في كلِّ أحوالِهِ ويتوكلْ عليهِ حقَّ التوكلِ، ويتمسكْ بدينِهِ فقد هُدِيَ إلى الطريقِ الذي لا عوجَ فيه ولا انحرافَ، قال قتادةٌ: “أمَّا الرسولُ ﷺ فقد مضَى إلى رحمةِ اللهِ، وأمَّا الكتابُ فباقٍ على وجهِ الدهرِ” أ.ه.
إنَّ الإيمانَ باللهِ، وطاعةَ نبيِّهِ ﷺ أساسُ كلِّ ثباتٍ وقوةٍ في مواجهةِ التحدياتِ والمخاطرِ، قالَ ربُّنَا: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾، فالنصرُ كلُّ النصرِ والثباتُ كلُّ الثباتِ في طاعةِ اللهِ ورسولِهِ قالَ ربُّنَا: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ﴾، وقال أيضًا: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾، والخسرانُ كلُّ الخسرانِ والزعزعةُ كلُّ الزعزعةِ في الإعراضِ عن منهجِ اللهِ ومخالفةِ سنةِ نبيِّهِ ﷺ، وما غزوةُ أُحدٍ وهزيمةُ المسلمينَ فيها بعدَ نصرِهِم ببعيدٍ عنَّا، وعندمَا أذنَ اللهُ – سبحانَهُ- للمؤمنين بالقتالِ في سبيلِهِ؛ للدفاعِ عن دينِهِ وشعائرِهِ، وعدَهُم بالنصرِ متَى نصرُوهُ وحافظُوا على فرائضِهِ فقالَ تعالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ* أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ .
ثانياً: الاعتبارُ والنظرُ في حالِ السابقين: لقد تجمعَ الأحزابُ مِن كلِّ حدبٍ وصوبٍ، وأحاطُوا بمدينةِ الرسولِ ﷺ إحاطةَ السوارِ بالمعصمِ، واجتمعتْ شدةُ الخوفِ مع شدةِ الجوعِ والبردِ، والوصفُ القرآنيُّ يصفُ ويصورُ ما أصابَ المسلمينَ مِن فزعٍ وكربٍ في غزوةِ الأحزابِ، تصويرًا بديعًا مؤثرًا، يرسمُ حركاتِ القلوبِ، وملامحَ الوجوهِ، وخلجاتِ النفوسِ ﴿إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً﴾، ولقد بلغَ انشغالُ المسلمينَ بعدوهِم انشغالًا عظيمًا حتى أنَّهُم لم يستطيعوا أنْ يؤدُّوا بعضَ الصلواتِ في أوقاتِهَا، فعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَلَأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا حَبَسُونَا، وَشَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» (مسلم) .
وفي تلك المعركةِ ظهرَ كلُّ إنسانٍ على معدنِه المؤمنُ الحقيقيُّ مِن الزائفِ فكشفَ المنافقون وأشباهُهُم عن نفوسِهِم الخبيثةِ وطباعهِم الذميمةِ، وقلوبِهِم المريضةِ، فقالُوا للمؤمنينَ في أشدِّ ساعاتِ الحرجِ والضيقِ: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً﴾، وقال أحدُهُم: إنَّ مُحمدًا ﷺ كان يعدُنَا أنْ نأخذَ كنوزَ كسرَى وقيصر، وأحدُنَا اليوم لا يستطيعُ أنْ يذهبَ إلى الغائطِ.
أمَّا المؤمنون الصادقون حين رأوا جيوشَ الأحزابِ وقد أقبلتْ نحو المدينةِ لم يهنُوا ولم يجزعُوا، بل ثبتُوا على إيمانِهِم وقالوا هذا الذي نراهُ مِن خطرٍ داهمٍ هو ما وعدنَا بهِ اللهُ ورسولُهُ، وأنَّ هذا الخطرَ سيعقبُهُ النصرُ، وهذا الضيقُ سيعقبُهُ الفرجُ، وهذا العسرُ سيأتِى بعدَهُ اليسرُ، قال ربنا: ﴿وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً﴾ .
ثم كانت العاقبةُ الحميدةُ للمؤمنينَ بالنصرِ والفلاحِ والمصيرِ السيئِ الذي انتهَى إليهِ الكافرون، قالَ تعالَى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾ .
هذه سنةٌ ينبغِي أنْ ندركَهَا فإنَّ الطريقَ إلى مرضاةِ اللهِ طريقٌ فيه ابتلاءٌ وتمحيصٌ، أمَا علمتَ أنَ طريقَ الخلدِ قد فرشتْ بالشوكِ ما فرشتْ وردًا ولا بسطًا، فعنْ خَبَّابٍ قَالَ:«شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ:«كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»(البخاري).
ثالثاً: الوحدةُ والتلاحمُ بينَ المسلمين، والاستعدادُ للتضحيةِ بكلِّ غالٍ ونفيسٍ: مِن أعظمِ أسبابِ الثباتِ والقوةِ أنْ يشعرَ المسلمون أنّهُم أمةٌ واحدةٌ، متماسكون متحدون أمامَ أعدائِهَا ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾، فالآيةُ تأمرُ المسلمينَ جميعًا أنْ يعتصمُوا بعهودِ اللهِ وبدينِهِ وبكتابِهِ، وأنْ يكونُوا كالجسدِ الواحدِ إذا اشتكَى منهُ عضوٌ تداعَى لهُ سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمَّى، وأنْ ينبذُوا التفرقَ والاختلافَ الذي يؤدِّى إلى ضعفِهِم وفشلِهِم قالَ ربُّنَا: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ .
وقد نهَى اللهُ – عزّ وجلّ – المسلمين عن الاختلافِ المؤدِّى إلى الفشلِ وضياعِ القوةِ بعدما أمرَهُم بالثباتِ والمداومةِ على ذكرِ اللهٍ وطاعتِهِ فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، ودينُنَا أرشدَنَا أنْ نقفَ بجوارِ بعضِنَا البعض وقتَ البلايَا والمصائبِ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا – وشبّكَ أصابِعَهُ-» (متفق عليه)؛ وصورُ التعاونِ كثيرةٌ ومتنوعةٌ لا تقفُ عندَ حدٍّ معينٍ، ومنها: التعاونُ المعنويُّ والماديُّ، وها هو رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوجهُنَا إلى حسنِ التعاطفِ والترابطِ فيمَا بينَنَا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» (الْبَزَّار، وَإِسْنَاده حَسَنٌ) .
أخي الكريم: بالثباتِ والطمأنيةِ يُوَاجِهُ العبدُ المَصَاعِبَ مَهْمَا اشْتَدَّتْ، وَيَتَغَلَّبُ عَلَى الشَّدَائِدِ مَهْمَا جَلَّتْ، يجتازُهَا بِقُوَّةٍ وَتَسْلِيمٍ، يتعَلَّمُ مِنْهَا الحِيطَةَ وَالحَذَرَ مِنْ غَيْرِ تَسَخُّطٍ عَلَى القَضَاءِ، يرتقِي بنفسِهِ لتكونَ نفسًا مُطمئنَّةً فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، مُطمئنَّةً فِي الأَخْذِ وَالعَطَاءِ وفِي الضّيْقِ وَالرَّخَاءِ، تَبْذُلُ الخَيْرَ لِكُلِّ النَّاسِ لا يَتَطَلَّعُ صَاحِبُهَا إِلَى مَا عِنْدَ الآخَرِينَ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا يَدفَعُهُ إِلَى التَّنَافُسِ المحمود؛ لِيُحَقِّقَ النَّفعَ لِمُجتَمَعِهِ ووطنِهِ ثم تَنَالُ يَومَ العَرْضِ عَلَى اللهِ شَرَفَ هذا النِّدَاءِ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ .
رابعاً: الإعدادُ الجيدُ والتخطيطُ المسبقُ: أمرنَا اللهُ ب “الأخذِ بالأسبابِ”؛ لأنَّ اللهَ أوجدَ الأشياءَ وهيّءَ لها أسبابَهَا، فمَن أخذَ بها مكّنَهُ اللهُ قال سبحانه: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾، وسننُ اللهِ في الكونِ لا تحابِي أحدًا على حسابِ أحدٍ، وهذا مِن عدلِ اللهِ جلّ جلاله، والمتأملُ في القرآنِ الكريمِ يرَى أنَّ جُلَّ آياتِهِ تحثُنَا على الأخذِ بالأسبابٍ، وتأمرُنَا بالحركةِ لا بالسكونِ، يقولُ ربُّنَا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾، فهذا أمرٌ بالمشيِ في مناكبِ الأرضِ، وقال أيضًا: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾، فهذا هو شأنُ المسلمِ عملٌ وبيعٌ قبلَ الصلاةِ، وسعيٌ وانتشارٌ في الأرضِ بعدَ الصلاةِ كيلَا تتوقف مسيرةُ الحياةِ، والملاحظُ أنَّ اللهَ في الآياتِ الثلاثِ عبَّرَ ب “الفاءِ” التي تفيدُ الترتيبَ والتعقيبَ والسرعةَ فتنبهْ وافهمْ.
وفي مجالِ الحياةِ العسكريةِ يأمرُنَا بإعدادِ العدةِ فقالَ ربُّنَا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، و “القوةُ” هنا عامةٌ تشملُ الماديةَ والعسكريةَ والاقتصاديةَ والاجتماعيةَ، والتعليميةً …إلخ، ومَن يتتبعْ سيرَ الأنبياءِ يرَ أنَّهُم ما عطلُوا الأسبابَ وما ركنُوا إلى التواكلِ بل نجدهُم رغمَ أنَّ اللهَ أيدهُم بالمعجزاتِ الخارقاتِ إلّا أنّهُم سارعُوا إلى الأخذِ بالأسبابِ، فعن أَنَسٍ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» (الترمذي، وابن حبان)، ومَن قلّبَ صفحاتِ تاريخِ الأوائلِ الأجلاءِ يجد أنَّهُم كانوا في قمةِ الإيمانِ والتوكلِ على اللهِ والعلمِ بسننِ اللهِ الجاريةِ لذا لم يهملُوا الأخذَ بالأسبابِ وقتَ التحدياتِ، تربصَ الأعداءُ بهٍم مِن كلِّ حدبٍ وصوبٍ، بهذا يكون قد علّمَ الإسلامُ المسلمَ كيف يثبتُ وكيف يحتفظُ بهذا الثباتِ وتلك القوةِ قبلَ النصرِ وبعدَهُ بأنْ يخططَ ويدرسَ ويتعلمَ ولا يتوقف أبدًا.
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ كروبَنَا، وأنْ يزيلَ همومَنَا، وأنْ يذهبَ أحزانَنَا، ونسألُكَ يا اللهُ أنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف